مصير راشد الغنوشي بعد أن رسم مصائر رفاقه

45.00 د.إ

هادي يحمد

التصنيف: الوسوم:

الوصف

يقف هادي يحمد -باحث وإعلامي تونسي- في دراسته على مصير راشد الغنوشي، الذي بدأ مبكراً محاصرة المخالفين له، وعزل المتمردين عليه داخل حركته. كان هدفه تنصيب نفسه مرجعية وحيدة وقائداً أوحد داخل حركة الاتجاه الإسلامي بتونس. كما يمر على ازدواجيّة “الأستاذ” و”الشيخ” لدى الغنوشي الذي يقدم نفسه لهما على الدوام كونه حاملا لثقافتين: «دينية» و«عصرية».

يخلص الباحث إلى أن طوال أربعين سنة من التأسيس الرسمي لحركة النهضة، أحكم راشد الغنوشي سيطرته الكاملة عليها. استطاع فرض هذه السيطرة بقدرته على التلاعب برأي عام إسلامي، وباستعمال تبريري براغماتي للحجج الدينية والسياسية. كانت هذه السيطرة مبنية على شرعية أبويّة، وعلى مواقف كانت تصنّف على يمين الموقف المتشدّد للحركة، تلقى رواجاً سريعاً بين جمهور إسلامي شبابي يميل إلى الراديكالية. في موازاة اعتماده على سلطة القول، قام الغنوشي بحشد وتحريض أنصاره باستعمال تكتيك قديم في التخلص من كل منافسيه في الصف الأول للحركة، وإحداث حالة فراغ دائمة حوله، بالشكل الذي جعله المرشح الوحيد لخلافة نفسه على رئاسة الحركة طوال أربعين سنة. تمّ إفراغ الصف الأول في حركة النهضة من القيادات المنافسة، في كل المراحل، عبر التحكم التام في مؤسساتها ومكاتبها المختلفة، مثل مكتب تنفيذي أو مجالس شورى. والجدير بالذكر أن المؤتمرات العشرة للحركة انعقدت كلها تحت ظل الغنوشي وإدارته الكاملة. استطاع الغنوشي إتمام سيطرته الكليّة بالهيمنة على الموارد المالية للحركة، وتوزيعها بحسب منطق الولاء والتبعية. وقد تمركزت سلطة القرار والنفوذ منذ نشأة الحركة الإسلاموية التونسية حوله، وكانت هذه السلطة يتحوّل مجالها الجغرافي بحسب الوجود المكاني للغنوشي، ورحلات الهروب والمنافي أو الاستقرار النسبي في البلاد، عندما كانت الظروف تسمح بذلك. تركز مركز القرار النهضوي في العاصمة البريطانية طوال عشرين عاماً، منذ استقرار الغنوشي في لندن بداية التسعينيات، وتواصل هذا الأمر إلى تاريخ عودته بعد الثورة. قبل هذا التاريخ كان مركز القرار ينتقل مع الغنوشي في عواصم عديدة استقر فيها لفترات زمنية قصيرة، من قبيل الخرطوم والجزائر. منذ عودته إلى البلاد عام 2011، تمكن الغنوشي من إحكام سيطرته على الساحة السياسية التونسية باعتباره الرجل القوي داخل حركته، التي سيطرت على المجلس التشريعي (البرلمان) سواء بالغلبة العدديّة أو بالتحالف وإضعاف الخصوم. تواصلت هيمنة الغنوشي وحزبه على الحياة السياسية التونسية إلى غاية اليوم الذي قام فيه الرئيس قيس سعيد بتجميد أعمال البرلمان التونسي، والدفع بإقالة الحكومة وتعيين حكومة جديدة تخضع لسلطاته. كانت ليلة تجميد البرلمان التونسي فارقة في التاريخ الشخصي والسياسي للغنوشي، فبالتوازي مع خروج آلاف التونسيين إلى الشوارع في العاصمة ومدن تونسية أخرى احتفالاً بقرارات الرئيس قيس سعيد، اتجه الغنوشي فجر اليوم التالي إلى البوابة الحديدية الكبيرة للبرلمان؛ رغبة في السماح له بالدخول باعتباره رئيس البرلمان المجمّدة أعماله. انتهى الأمر بالغنوشي إلى مغادرة ساحة البرلمان خائبا أمام تمسك قوات الجيش المرابطة بالمكان، بتطبيق الإجراءات الرئاسية الاستثنائية.