الوصف
تناولت فابيان سامسون –مديرة معهد العوالم الأفريقية في فرنسا- في دراستها وجوه المسيحية المختلفة في القارة الأفريقية في الزمن المعاصر. فبعد دراسة إنشاء أولى الإرساليات البروتستانتية والكاثوليكية في القرن الثامن عشر، وتزايد الكنائس الأفريقية «صاحبة الدعوة الإلهية»، الموسومة بـ«الانفصالية» في النصف الأول من القرن العشرين، يسرد البحث، تالياً، تزايد الكنائس الإنجيلية من القرن العشرين حتى أيامنا هذه، ورد فعل الجماعات المسيحية الأخرى وخصوصاً الكاثوليك، على رجحان كفة البروتستانت.
يهدف البحث إلى فهم السياقات الاجتماعية والسياسية التي سمحت بهذا التمدد المسيحي، وكيفية توطن المسيحية وإبداعاتها وتطورها، وفهم المنافسات الدينية التي تولدّت بفعل الشعبية المتنوعة لهذه الجماعات المتنافسة. يبيّن البحث كيف أن الحركات المرتبطة بالمسيحية في أفريقيا المعاصرة تتسم بالتنوع والدينامية والحركية، وهي متصلة -من دون شك- بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها القارة على مدى قرنين من الزمان.
تخلص الباحثة إلى أن العقود الماضية في أفريقيا تميّزت بفيض ديني مكثف لوجوه متعددة من المسيحية؛ فقد انتشرت الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والإنجيلية (العنصرة والعنصرة الجديدة) والكنائس الانفصالية المحلية وكنائس الإحياء (الديني) في جميع أنحاء القارة، باستثناء شمال أفريقيا، على الرغم من استقرار بعض الإنجيليين على نحو متزايد في المغرب، من خلال الهجرات من الجنوب إلى الشمال.
وتضيف الباحثة أن هذه الدينامية هي نفسها موجودة في الديانات الأخرى، لا سيّما في الإسلام، الذي غالباً ما دخل في منافسة مباشرة مع هذه الجماعات المسيحية. ويملك عدد من حركات «تجديد/تثوير» الإسلام والمسيحية الإنجيلية، أهدافاً متقاربة جداً في أفريقيا؛ فهم يتوجهون إلى جمهور متماثل تقريباً، ويقدمون لأتباعهم أنماطاً متشابهة من الهويّات، ويسعى أتباعهم جميعاً وراء الإجابات الروحانية، والدينية، والاجتماعية نفسها… إلخ. وهكذا فإن مقولة «نزع السحر عن العالم» التي جرى الإعلان عن تأصلها في الحداثة لم تحصل. بل على العكس من ذلك، أصبح الدين، في أشكاله المختلفة، صيغة مفيدة للتعبير لدى الناس عن رغبتهم في تغيير نمط الحياة أو في التعبئة الاجتماعية والسياسية.
غالباً ما كانت هذه الديناميات وإعادة التشكيل الدينية، داخل وجوه المسيحية المتعددة التاريخية والمعاصرة، تبشيرية للغاية وعابرة للحدود، والميْزة المشتركة لها هي إرادة إضفاء الطابع الأخلاقي على المجتمعات (التبشير). بإزاء الدول التي تخلت عن مسؤولياتها في ما يتعلق بالصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية وإنشاء البنى التحتية، لا سيّما في المدن، ويقوم كثير من القادة الروحيين و«أصحاب الدعوة الإلهية» والقساوسة أو غيرهم من «مُدعي صفة «المسيا» (المسيح المنتظر) باستعادة خطاب حول التنميّة والمواطنة والحكم الرشيد يصب في مصلحتهم.